« Home | MAPS - Lebanon Toll after a month of war - NYTimes... » | Iranian Clerics’ Angling Stirs Worry on Absolute Rule » | Russian Nuclear Fuel by March » | Announcing The Fajr-27 Cannon, Iran launches produ... » | The Tehran-Baghdad-Kabul Alliance » | SPIEGEL Interview with Syrian President Bashar Ass... » | What Would War Look Like? » | Can Karen Hughes change America’s image? She’s trying » | Time Magazine Interview Iranian President Mahmoud ... » | Phares on Radio America: "Syria's regime wants to ... »

مقابلة مع الكولونيل شربل بركات



مقابلة مع الكولونيل شربل بركات
أجرت المقابلة الأنسة/جولي ابوعراج/موقع لبنانيون في إسرائيل
2 تشرين الأول 2006

**الحرب اليوم قائمة بين العالم المتمدن وعدوه المتمثل بالإرهاب، والمطلوب من الدول والمجتمعات أن تقرر أين تقف.
**نأسف شديد الأسف لهذا المستوى من الزعامات التي لا تنظر إلى أبعد من أنوفها. فحتى الذين قالوا أن حزب الله "أخطأ" بإعلان الحرب، لم يفهموا بعد مخاطر الإشادة "ببطولاته" التي ستنقلب ‏على البلد مجددا دمارا وخرابا
**اليوم وبعد أن هدم نصر الله البلد وقتل من قتل، يقوم "الذكاء اللبناني" الغائص في "وهم ‏المؤامرات" بتبريره، لا بل بتهنئته بالنصر. أولم نتعلم من كذبة "التحرير" التي فرضها المحتل ‏السوري على اللبنانيين فرضخوا لسلطة حزب الله هذا ست سنوات؟
**إن الحرب الأخيرة، التي جرت على أرضنا والتي لم يكن للبنان فيها إي رأي أو قرار، جاءت للأسف لتبرهن بشكل مأساوي عن المخاوف التي كنا نتوجس منها منذ خروج السوريين السنة الماضية
**استعجال القادة السياسيين لقطف ثمار التأييد الشعبي جعلهم "يحرقون الطبخة" فيتناسون المبادئ ويقبلون بأي شيء ثمنا لأكثرية نيابية، فكان استمرار قانون غازي كنعان ومن ثم الحلف الرباعي ‏الذي سمح ببقاء أخطر منتجات الاحتلال السوري
**للأسف وقعت المعارضة في خطأ الموالاة وزايدت بالغلط عليها ليسقطا معا في فخ حزب الله وأسياده السوريين والإيرانيين فيلعبون بهم وبالبلد كما يحلو لهم.
**المطلوب من حزب الله اليوم وليس غدا تحديد أهدافه وما يسعى إليه ليعرف اللبنانيون فعلا هل هو لبناني الولاء أم لا.
**تصريحات السنيورة المتعلقة بالسلام مع إسرائيل هي بدون معنى ولا أساس لها إلا خوفه من جماعة حزب ‏الله وأمثالهم إذا لم تكن من قبيل "التقية"، فلبنان هو أكثر بلدان المنطقة حاجة إلى السلام مع إسرائيل.

وفي ما يلي المقابلة:
مقدمة
رجل لبناني، بكل ما للكلمة من معنى ... حمل لبنان في قلبه وروحه ووجدانه وحاكه في مقالاته فكانت منبرا للحقيقة "الساطعة" والنبرة "الجارحة"
إنه الكولونيل شربل بركات ربيب المدرسة الحربية ، التي دخلها كخيار حياة تفرغ لها وخلص لمبادئها الوطنية في الدفاع عن لبنان ... وتخرج منها برتبة ملازم قبل ان يجول المجالس العالمية مدافعا عن "بلد الارز"، مظهرا حقيقة هذا الوطن الكبير الجريح حاملا رسالة جعلته يتعالى على التمسك بصغائر الامور والمنفعة الذاتية .
انه ابن عين ابل، تللك البلدة الجنوبية التي شهدت فظاعة المؤامرات التي حيكت ضد لبنان في مختلف فصول الحرب اللبنانية...
عبر محطات من سطورتاريخ هذا الرجل الجنوبي نغوص في عمق شخصه وتجربته التي جعلته متبصرا مراقبا كغيره من المحللين السياسيين الا ان ميزة واحدة تجعل من الكولونيل مراقبا غير عادي وهي قدرته على القراءة الموضوعية للوقائع والاحداث. نستشفها اكثر من خلال اللقاء التالي الخاص بموقعنا.
محطات في تاريخ الكولونيل بركات:
ارسل الى الجنوب من قبل قيادة الجيش اللبناني بمهمة تدريب الأهالي للدفاع عن النفس، فالتحق لتحق بتجمع رميش العسكري وخدم بإمرة المغفور له الرائد شدياق قائد التجمع. بعد ذلك عين قائد تجمع رميش
استلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر
أصبح مساعد الرائد حداد قائد جيش لبنان الحر
استلم قيادة جيش لبنان الحر بالوكالة إثر وفاة الرائد حداد
مساعد قائد جيش لبنان الجنوبي اللواء أنطوان لحد
قائد اللواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
مدير مكتب العلاقات الخارجية في الجيش
عمل في الاغتراب مع:
المنظمة اللبنانية العالمية
الاتحاد الماروني العالمي
الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم
اللجنة الدولية لتنفيذ القرار 1559
المجلس العالمي لثورة الأرز
شهد مرتين أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ الأميركي
له عدة مقالات سياسية في الشأن اللبناني والعالمي وموضوع الإرهاب
نشر كتاب "مداميك" بالعربية وهو يحكي عن معاناة الجنوب وأهله
نقل كتابه إلى العبرية ونشر
النسخة الإنكليزية لا تزال قيد الطبع
المقابلة:

سؤال/12 تموز 2006، تاريخ أدخل لبنان مرحلة جديدة تتسم بالخطورة والاهمية والغموض في آن، لما تحمله من تغييرات على مختلف الاصعدة ...بعد كل الذي حصل كيف تقرا هذه الحرب، وما هو تفسيرك للواقع اللبناني الحالي المتشنج والغارق في الانقسامات وتعدد الخطابات...؟

الجواب: أولا إن الحرب الأخيرة، التي جرت على أرضنا والتي لم يكن للبنان فيها إي رأي أو قرار، جاءت للأسف لتبرهن بشكل مأساوي عن المخاوف التي كنا نتوجس منها منذ خروج السوريين السنة الماضية، وفي قراءتنا للأحداث التي تتابعت بعد القرار الدولي 1559 حيث عاد الأمل بأن يصبح لبنان مجددا دولة سيدة حرة مستقلة ويخرج من دوامة التبعية والعنف، وتميزت بالتعنت السوري لتجديد رئاسة لحود واغتيال الحريري وما تلاه من تحرك شعبي قرّب المسافات بين الفرقاء وفرز أدوات الاحتلال في تجمع 8 آذار عن بقية اللبنانيين في مسيرة المليون ونصف التي دعيت ثورة الأرز.
ولكن استعجال القادة السياسيين لقطف ثمار التأييد الشعبي جعلهم "يحرقون الطبخة" فيتناسون المبادئ ويقبلون بأي شيء ثمنا لأكثرية نيابية، فكان استمرار قانون غازي كنعان ومن ثم الحلف الرباعي الذي سمح ببقاء أخطر منتجات الاحتلال السوري، عنيت به حزب الله، كقنبلة موقوتة جاهزة لتخريب كل ما بني، وأخطر نتائجه إعطاء هذا الحزب، ولأول مرة، مناصب وزارية ليعطل الحكم ساعة يشاء ويمنع أي تحرك مجدي.
هذه الأحداث كانت المقدمة الحقيقية التي حضّرت لحرب 12 تموز، فالأسد هدد لبنان "المحرر" بالحرب الأهلية بعد أسبوع على خروج جيشه، وقامت سلسلة عمليات الاغتيال بإخافة القادة ودب الرعب بالمواطنين فمنعت استمرار تلاقيهم وتفاهمهم على التخلص من رواسب الاحتلال وأدواته لا بل جعلت البعض يسترضي هؤلاء بدل أن يشهّر بهم خوفا من أن يصبحوا فتيل التفجير الذي يحركه السوريون لتنفيذ تهديد رئيسهم.
يقول البعض بأنه لم يكن هناك حل سوى إعطاء حزب الله حصة في الحكم لكي يقبل بتسليم السلاح لأنه بذلك سوف يصبح جزء من هذا الحكم فيخاف على مكاسبه بدل أن يسعى للخربطة. ولكن ما الذي دفع بالمعارضة للاستعجال بالتفاهم مع حزب الله ليقع البلد كله بالغلط، فقد كان الأجدى بهذه المعارضة أن تصر، كما فعلت في أول أيامها في المجلس، على التشهير بحزب الله وبسلاحه وبتصرفاته الغير مقبولة، فتدفع الحكومة على التغيير، وربما الضغط على حزب الله لتسليم سلاحه، ولو لإرضاء المعارضة التي لن تقبل بأقل من المساواة بين اللبنانيين. ولكن للأسف وقعت المعارضة في خطأ الموالاة وزايدت بالغلط عليها ليسقطا معا في فخ حزب الله وأسياده السوريين والإيرانيين فيلعبون بهم وبالبلد كما يحلو لهم.
نحن قلنا أنه طالما أجمع اللبنانيون على موقف موحد كان يجب استغلال هذا الموقف والطلب من كل من هو على الأرض اللبنانية، وأولهم حزب الله، أن يقدموا على تسليم أسلحتهم للدولة فورا وبدون جدل ليتساوى الكل، وعندها فقط يمكن أن يعطوا موقعا في هذه الدولة يتناسب مع حجمهم التمثيلي، وإلا فهم خارج الدولة وخارج الإجماع الوطني، وعلى العالم الذي وصف الداء في قراراته أن يؤمن الدواء، فلم يطلب أحد من اللبنانيين أن يعرضوا خدماتهم وحلولهم التي تعقّد الأمور بدل أن تحلها.
من هنا فنحن لم نعجب أبدا عندما أعلن حزب الله حربا على لبنان بعملياته المتكررة والغير مقبولة على إسرائيل. فهو لعب باللبنانيين في تمثيلية الحوار الوطني واستطاع كسب الوقت لكي يضعف الإيمان بقدرة العالم على مساعدتهم ثم يظهرهم بأنهم هواة في السياسة وغير مؤهلين للسيطرة على البلد، ومن ثم يشكل وجودهم خطرا على السلم العالمي أو الإقليمي، ولذا فتلزيم أمرهم لجارهم "المتلهف"، كما جرى في السابق، يمكن أن يكون الحل.
وهكذا فإن توقع إعلان الحرب على إسرائيل من قبل حزب الله كان واردا ولكن موعد التنفيذ هو الذي كان يحتاج إلى تنسيق أكبر مع مصالح إيران وسوريا ليصدر الأمر وساعة الصفر من غرفة العمليات المشتركة.

السؤال/انطلاقا مما يحدث ، برايك لبنان الى اين ؟
الجواب: لبنان برأيي هو بلد متميز ليس بزعاماته بل بأبنائه، وبالرغم من كل الصعاب سوف يجد اللبنانيون بدون شك مخرجا لما هم فيه من واقع مأساوي، فهل يعقل أن يساهم العالم كله، وعلى رأسه الدول العربية الكبرى صاحبة النفوذ والمال، بدعم حكومة لبنان ويطلب تحريرها من مسؤولية الحرب وتبعاتها وقرارات تجريد الفئات الخارجة عن القانون من أسلحتها، وهي من خرب البلد وتسبب في تدميره، فتأتي الحكومة، التي لا حيل لها ولا قوة، لتعترض على تحريرها من هذه المسؤولية الجسيمة وتطالب بتسلمها وهي لم تقدر أن تسأل نصرالله لماذا أعلن الحرب؟
اليوم وبعد أن هدم نصر الله البلد وقتل من قتل، يقوم "الذكاء اللبناني" الغائص في "وهم المؤامرات" بتبريره، لا بل بتهنئته بالنصر. أولم نتعلم من كذبة "التحرير" التي فرضها المحتل السوري على اللبنانيين فرضخوا لسلطة حزب الله هذا ست سنوات؟
فكيف سنتخلص من مقولة النصر على إسرائيل بعد 33 يوما من القتال الضاري؟
نأسف شديد الأسف لهذا المستوى من الزعامات التي لا تنظر إلى أبعد من أنوفها. فحتى الذين قالوا أن حزب الله "أخطأ" بإعلان الحرب، لم يفهموا بعد مخاطر الإشادة "ببطولاته" التي ستنقلب على البلد مجددا دمارا وخرابا. وهذه المرة لن تكون مع إسرائيل بل في الداخل، لأنه لم يعد يجرؤ على التلاعب مع إسرائيل كما كان يفعل، وها هو عاد ليشتري "بالمال الحلال" من يصفق له وينتظر خطاباته بدل أن يحاكم على فعلته ويطرد وزراؤه من الحكومة ونوابه من المجلس ويجردون من حقوقهم المدنية لأنهم لم يقوموا بواجباتهم تجاه البلد بل قاموا بخيانته من أجل أن تعود سوريا وإيران إلى لعب الأدوار واستعمال لبنان ساحة لصراعاتهم مع الغير.

السؤال/ عند بداية الحرب تحدثت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس عن "معالم شرق اوسطي جديد" برايك كيف ستتجسد هذه المعالم :بمعاهدة سلام وحالة هدنة طويلة، ام ان لبنان ذاهب الى التفتيت؟ وهل ما حدث له علاقة بجملة التغييرات التي تشهدها المنطقة (اخذين بعين الاعتبار القضية العراقية والفلسطينية)
الجواب: أعتقد أنه مهما حاول الإرهاب وأسياده أن يلعب ويكسب وقتا فلن يكون له إلا أن يرضخ لمطالب العالم، فالحرب اليوم قائمة بين العالم المتمدن وعدوه المتمثل بالإرهاب، والمطلوب من الدول والمجتمعات أن تقرر أين تقف. ولن تطول المدة حتى يقف الجميع صفا واحدا بمواجهة هذا الإرهاب كونه يضر بالكل.
من هنا فإن الشرق الأوسط الجديد الذي تكلمت عنه وزيرة الخارجية الأميركية قد لا يكون مشروعا أمريكيا مفصلا أو تصورا غريبا، ولكنه سيكون بالضرورة نتاج وعي شعوب المنطقة لواقعها ومصالحها.
وسيكون تطورا لتجارب هذه الشعوب وتعايشها مع بعض. فلا يمكن أن نتصور حربا دائمة بين شعوب هذه المنطقة ولو اختلفت أديانها وطوائفها وأصولها وقومياتها، فهي لا بد أن تجد مخرجا لصراعاتها فتتفق على قواعد ومبادئ مقبولة على الجميع.
وما يحدث في العراق قد ينتهي بالتفاهم على شكل جديد للحكم أو نظام مشابه لما يطبق بحالات مماثلة في العالم. ومن يقول بأن المشاكل في الشرق الأوسط هي صنيعة أميركا لأن الأميركيين يتكلمون عنها هو جاهل بأمر الشعوب وتطلعاتها، فقد استتب الأمن فيما مضى بالقوة، أما في عالم اليوم فيجب أن يستتب بالاقتناع ولو بعد فترة من التقاتل التي ستجر إلى تفاهم على الأسس التي تقوم عليها هذه المجتمعات.
من هنا فإن كل الدول القائمة لا بد أن يحدث فيها بعض التململ، وسوف تتم التغييرات بدرجات متنوعة من العنف، ولكنها ستتم بالتأكيد، لأن مسار التاريخ يحتم هذه التبدلات. وما موقف الأصولية التي تحاول، ليس فقط منع التطور لا بل الرجوع إلى الماضي الغابر، إلا شكل من أشكال الرفض للواقع الذي سوف يفتح العيون على ما في الأنظمة الحالية من عقم في الإجابة عن التساؤلات وتحقيق التطلعات وتنظيم المتطلبات الأساسية للدول كما المجموعات الإنسانية التي تتعايش متوازية وغير متداخلة منذ آلاف السنين.
وهنا لا بد من الإشارة إلى فلسطين حيث نجحت أصولية حماس بجذب الشارع لتأييدها، ولكن هذا التأييد لن يستمر، فالاعتراض أسهل من تحمل المسؤولية، ونتائج تسلم الحكم، إن بقي النظام ديمقراطي، لا بد ستأتي بالاعتدال. ومستقبل العلاقات بين إسرائيل وفلسطين، على عكس ما يتمناه المتطرفين من الجانبين، ليس للتقاتل بل للتكامل. وعندما يتعب المتقاتلون سوف يجدون متسعا من الوقت للاتفاق على التعاون، وهذا هو الرهان الأميركي، وهكذا سيبنى الشرق الأوسط الجديد الذي سيكون أقدر على الاستمرار والتقدم بدون الحاجة إلى العنف والأنظمة المخابراتية.
وهنا لا بد من الإشارة بأن على العالم الإسلامي أن يدرك بأن التمادي في الغي من قبل من يدّعون حماية الإسلام ويريدون تصديره إلى العالم بالقوة، سيؤدي أكثر فأكثر إلى الوقوع في الغلط وهذا الغلط سيجرّ إلى مشاكل ليس فقط مع ما يسمى بالغرب بل إننا نحذر من قيام المشاكل مع الجارين الكبيرين في الشرق وعنيت بهما الهندوسية في الهند والتي تعد حوالي المليار نسمة ولها تاريخ من المشاكل مع "الغزاة" المسلمين، والبوذية في الصين وجنوب شرق آسيا والتي تعد أيضا أكثر من مليار وقد بدأ طالبان بتحديها عندما فجر تمثال البوذا في أفغانستان.
فعلى من يمتلك وسع الآفاق والإدراك من المسلمين المعتدلين وعلى من يحاول تهييج التطرف الديني من غير المسلمين أيضا الإسراع إلى تدارك الأمور والعودة إلى القيم العالمية المشتركة التي حاولت الأمم المتحدة تبنيها والتسويق لها في العالم بعد الحرب العالمية الثانية خوفا من الصدامات والمشاكل المبنية على المعتقدات عند شعوب العالم المختلفة. ونريد أن نشدد على المملكة العربية السعودية التي نحترم ونجل بأن تسارع إلى التوقيع على شرعة حقوق الإنسان ولا تترك المجال للرعاع باستغلال هذا الرفض للتمادي بالتطرف.

سؤال/كقيادي في اللوبي اللبناني الاغترابي ، ما موقف الجاليات اللبنانية من تصريحات رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة المتكررة "في ان لبنان اخر من يوقع السلام مع اسرائيل"، هل توافقونه الراي ولماذا؟
الجواب: مع كل الاحترام الذي نكنه للرئيس السنيورة فإن تصريحاته المتعلقة بالسلام مع إسرائيل هي بدون معنى ولا أساس لها إلا خوفه من جماعة حزب الله وأمثالهم إذا لم تكن من قبيل "التقية"، فلبنان هو أكثر بلدان المنطقة حاجة إلى السلام مع إسرائيل، وقد يكون ذلك ما لا تريده إسرائيل نفسها، لأن في السلام مع إسرائيل سوف يربح لبنان أولا طريقا بريا إلى الدول العربية، وخاصة السعودية والأردن، لا يتحكم فيه النظام السوري، ثم سيفتح له لأول مرة منذ 1948طريقا بريا إلى مصر وشمال أفريقيا فتصبح الشاحنات اللبنانية هي التي تحمل البضائع إلى مصر وغيرها بدل البواخر. ولكن الأهم من ذلك هو سيارات الركاب والسياح، فبوجود هذا الطريق سوف يفتح خط بري سياحي من أوروبا إلى الأراضي المقدسة ومصر وشمال أفريقيا عبر لبنان عدى عن القطارات للشحن والركاب. ثم هناك السياحة المتبادلة بين اللبنانيين والإسرائيليين وهي ذات مردود كبير جدا وستنعش المناطق الجنوبية بالذات لأنها الممر الطبيعي بين البلدين.
ولماذا لا يكون لبنان ممرا لتجارة فلسطين وعمالتها كما كان دعما لقضيتها؟ وقد يكون الخوف من التوطين الذي يتكلم عنه الجميع هو الموضوع الرئيسي للتفاوض مع الإسرائيليين، فليس للبنان أي مطلب عند إسرائيل لا يمكن حله بالتفاوض، خاصة عندما يكون هناك موضوع سلام.
وإذا كانت مناورة الرئيس السوري الراحل، الأسد الأب، يومها تقوم على السلام بدون التطبيع، فإن التفاوض اللبناني يجب أن يقوم على السلام المشروط بالتطبيع، لأن كل الموازين الاقتصادية لا بد ستكون من صالح لبنان في هكذا عملية.
وعندما يقول الرئيس السنيورة بأن لبنان سيكون آخر من يوقع سلاما مع إسرائيل فهو لا يعلن عن جديد فقد أقامت البلدان المجاورة لإسرائيل؛ وهي مصر والأردن السلام معها منذ زمن كما أعلنت سوريا أكثر من مرة عن قرارها بتبني السلام وهي تتفاوض على التفاصيل، فلماذا يزايد الرئيس السنيورة على سوريا؟ ثم هناك أكثر من دولة عربية لها مصالح مع إسرائيل وتقيم معها علاقات خاصة وعلى مستويات متعددة.
فماذا تفعل قطر وهي التي تترأس المجموعة العربية في الأمم المتحدة اليوم وأعلنت عن نيتها المساهمة في إعادة اعمار بعض ما هدمته الحرب الأخيرة في لبنان وتستضيف أكثر قنوات التلفزة تحريضا على إسرائيل وأمريكا وبنفس الوقت وبدون أية عقد تستقبل أكبر قواعد الأسطول الأميركي وممثلية تجارية لإسرائيل فهل هذه لا تتبع للدولة؟
وماذا عن دول شمال أفريقيا؟ ولماذا يقوم الرئيس السنيورة بإحراج العرب بمقولته ومزايدته في هذا الاتجاه؟
نعم إن لبنان اليوم هو بحق الدولة العربية الوحيدة التي لا تقيم علاقات مع إسرائيل وهو بذلك يؤخر الحلول العربية الإسرائيلية بدون سبب، ونحن ندعو الرئيس السنيورة، الذي كان أجدى به أن يفاوض الإسرائيليين أثناء الحرب الأخيرة، للمبادرة إلى الدعوة لسلام دائم وتطبيع للعلاقات وفتح للحدود واستعادة لسيادة الحكومة على كل شبر تدعي أنه لها، بدون استشارة سوريا المتربصة بلبنان سوءا والتي لا تنفك تهدد بإغلاق حدوده معها كلما أراد لبنان أن يحمي مصالحه أو يراقب عمليات التهريب على هذه الحدود.
اليوم يمكن أن يكون السلام هو الطريق الأقرب لحل كل مشاكل لبنان والانتهاء من سلاح المليشيات ومن التشنجات الغير مقبولة، وقد تكون هي الفرصة الذهبية لإعادة إحياء العملية السلمية في الشرق الأوسط التي ستسهم بالحلول المنتظرة لهذه المنطقة.
من هنا فإن كافة التجمعات اللبنانية في الخارج تؤيد أي مبادرة لتحقيق السلام بين لبنان وإسرائيل ما سيسهم بتخفيف الضغط عن سوريا لكي تبادر هي أيضا بفتح خط التفاوض من جديد، ومن يدري فقد تستعيد الجولان وتنتعش اقتصاديا.

سؤال/هل انتم راضون عن اداء الحكومة اللبنانية ؟ (في حال كان جوابكم لا ما البديل الذي تطلبونه )
الجواب: نحن غير راضين عن أداء الحكومة ولكن لا لأنها ليست حكومة "وحدة وطنية" كما يطالب البعض اليوم، ولكن لأنها تضم في صفوفها ممثلين لمجموعة فرضت نفسها على الناس بالقوة والتهديد وهي تفرض نفسها على الحكومة وتمنعها من اتخاذ إي قرار يسهم في قيامة لبنان.
غير راضين عن الحكومة لأنها في بيانها الوزاري شرّعت سلاح حزب الله ولم تعد تستطع أن تنزعه.
غير راضين عن الحكومة لأنها لم تقبل بأن يتم نشر القوات الدولية بناء على البند السابع من القانون الدولي الذي كان سيسكت حزب الله وجماعة سوريا ويمنعهم من حمل السلاح وتهديد الأمن كلما يحلوا لهم ذلك.
غير راضين عن مواقف الحكومة لأنها حكومة تريد أن يخدمها العالم كله وهي لا تخدم نفسها. تريد أن يحارب العالم في سبيل مصلحة لبنان وتمثل هي دور الحَكَم بين العالم المدافع عن حقها وحزب الله الذي يسلبها هذا الحق.
غير راضين عن الحكومة لأنها حكومة برجوازية تسعى إلى المكاسب وتتهرب من المواقف.
غير راضين عن الحكومة لأنها لم تغيّر شيئا من سياسة الدخول والخروج من وإلى لبنان والتي كان رسمها الاحتلال وعملائه، ولا هي تجرأت أن تواجه موظف أو تقنع العالم أنها تسيطر على الأرض لكي يثق بها. فإذا كان الشعب اللبناني يعتقد بأن الحكومة لم تستطع أن تحمي النائب جبران التويني لأن أمن المطار، مثلا، ليس بيدها، فكيف سيثق بها هذا الشعب وأين سينتهي بها المطاف؟
ولكننا مع الحكومة إذا ما أراد رعاع سوريا أن يسقطوها بالقوة التي يتوهمون بأنهم يملكونها.
ومعها إن هي حزمت أمرها واتخذت قرارات مصيرية في منع السلاح من كل الفئات بدل السماح للبعض بالتسلح للرد على سلاح حزب الله، إلا إذا كان عندها نية بأن يقوم أكثر من لبنان.
نحن والعالم مع الحكومة إن هي قررت أن تأخذ بيدها تنفيذ القانون دون خوف من أحد. وإن هي قررت أن تستعيد سيطرتها على كل المرافق والمداخل وتمنع التهريب وكل أشكال الخروج على القانون.
نحن لسنا مع أن تسقط الحكومة اليوم ولا أن تطعّم لا بل مع أن تصغّر بأن تتخلص من وزراء حزب الله. ولكننا مع أن تقوم معارضة ديمقراطية في المجلس النيابي، وهو المكان الملائم لمحاسبة الحكومة على كل تقصير، ونطلب من المعارضة أيضا أن تترك للحكومة مجالا للحكم وتقوم هي بدورها في المراقبة والمساءلة، كما يجري في كل دول العالم الديمقراطية. فالحكم مداورة، والشعب في لبنان أظهر أنه يعرف أن يختار يوم يفسح له مجال الاختيار، فلا تزجوا به كل يوم في مشاكلكم وهو قد فوّضكم لأربع سنوات، فأرونا كيف يقوم كل منكم بدوره. ونحن نشدد على أن دور المعارضة مهم كدور الحكومة إن لم يكن أهم.

سؤال/هل لبنان على ابواب حرب اهلية في ظل التصاريح والانقسامات الحاصلة بين مختلف القيادات؟ كيف تفسرها ؟ ومن تخدم هذه الانقسامات
الجواب: لم يكن لبنان يوما على أبواب حرب أهلية ولا هو اليوم، وكل ما جرى هو أن دولا قامت بتصفية حساباتها على أرض لبنان وباللبنانيين. نحن لا نعتقد بأن هذا الجو موجود اليوم، ومع أن حزب الله وجماعة سوريا يحاولون أن يظهروا الأمور على هذا الشكل، ولكن هناك إرادة دولية لمنع استعمال لبنان اليوم كساحة صراع لدول المنطقة، وقد يكون هو من يشكل اليوم خطرا على بعض الأنظمة في المنطقة أكثر من أن تشكل هي خطرا عليه.
ولكن على اللبنانيين إلا يبقوا على هذا التوتر، وأنصحهم بعدم الاستماع إلى كل البرامج السياسية ونشرات الأخبار لأن الشغل الشاغل لهؤلاء الإعلاميين هو نقل الأخبار وتضخيمها، وفي لبنان عدد من محطات التلفزة والإذاعات والصحف المهتمة بالسياسة أكثر من أي بلد آخر نسبة لعدد سكانه، من هنا لا يستطيع المواطن تحمل كل هذا الضغط الإعلامي، والأفضل له أن يبتعد قليلا فلن تخرب البلاد في يوم واحد ولن يتغير شيء بين ليلة وضحاها.
اللبنانيون يعودون شيئا فشيئا إلى أجواء الديمقراطية ولكن بتشنج لأنهم قد تعوّدوا لمدة 30 سنة أن يقادوا بواسطة قادة عسكريين بزمن الحرب، فأغلبهم لا يعي بعد أن لبنان تخلّص من الاحتلال وهو سيتخلص قريبا من ذيوله.
أنا لا أقول بأن الأجواء على أحسن ما يرام، ولكنني أقول بأنه على الزعماء أن يكونوا أكثر ترويا من الصحافيين، على الأقل، فلا يكون هؤلاء من يقودهم بالنتيجة فيقودون البلاد بتسرّع وبدون مسؤولية، ولكن عليهم هم أن يتحلوا بوسع الأفق، وببعد النظر، وبكبر القلب، وعليهم دراسة الأحداث والتطورات ليستوعبوها فيعالجوها لا أن يلحقوا بها، فهم من يفترض بهم أن يصنعوا القرارات أو ينتقدوها بعمق وتروّي فيضعوا النقاط على حروفها بالشكل الملائم، ويعلّموا الناس كيفية التعاطي في الشأن العام، لا أن يتفرجوا على هذه القرارات وهي تسقط عليهم من السماء فيسعون لتنفيذها أو يسارعوا بردة الفعل مباشرة على وسائل الإعلام للرد عليها وكأنهم تلامذة مدرسة يتقدمون إلى الامتحان ويخافون من الرسوب إذا هم لم يسرعوا بالجواب.
وتلخيصا لما قلناه، إن أعداء لبنان سيحاولون جاهدين أن يحوّلوا أنظار اللبنانيين عن كل ما قاموا به، خاصة ذيول الحرب الأخيرة والقرارات السيئة في إعلان الحرب والتي أدت إلى ما أدت إليه من دمار وخراب، ولكنهم لن يفلحوا في إحداث فتنة. وهنا نتوجه إلى حلفاء الأمس، الذين أخرجوا جيوش الاحتلال بالتعاون معا، للتروي والتحلي بالحلم وعدم الانجرار وراء مخططات "الشقيقة الشقية" لأن البناء مسؤولية كبرى وعلينا كلنا أن نساهم بها، إن كنا في الحكم أم في المعارضة سيان، ولنترك من باع نفسه للخارج يقلّع أشواكه بيده، فهو لم يسأل أحدا يوم ذرع الشوك فلما نساهم معه في يوم الحصاد؟

سؤال/يحكى عن انتصار للبنان في هذ الحرب وتحديدا لحزب الله ، ما رايك في هذا؟ هل هناك انتصار فعلي؟وكرجل عسكري كيف تقيّم هذه الحرب عسكريا وبشكل خاص اداء عناصر حزب الله؟
الجواب: لا أريد أن أدخل في التفاصيل العسكرية التي جرت أثناء المعارك ولكنني أكتفي بالإشارة إلى موضوع مهم بالنسبة لكل دول العالم، وهو أن واجب القوى المسلحة في أي دولة هو حماية المواطن في حياته وأملاكه وأرزاقه ومقتنياته، وأن تؤمن له الاستقرار وراحة البال لكي ينصرف إلى أعماله دون خوف، كونه يدفع بدل هذه الحماية من إنتاجه وعرق جبينه.
الوضع في لبنان اختلف، فالمواطن لم يعد يعرف أولا من هي القوى المسلحة الموكل إليها حمايته. فإذا كانت حزب الله، فهو لم يقم بحماية أي مواطن لا بل اكتفي بجلب الخطر عليه، وذلك عندما أطلق صواريخه من بين البيوت السكنية، وعندما صمم أن يقاوم من داخل القرى والمدن فركّز مخازنه ومستودعاته وحفر القتال وخنادق التموين داخل الأحياء وكأنه يريد بذلك تدميرها.
قد تكون الحرب النفسية التي يعتمد عليها حزب الله أو أسياده ترتكز على منطق إظهار "فظاعة" العدو، ووسيلتهم هنا الدعاية ضد هذا العدو من جهة، وإثارة الشفقة عليهم من جهة أخرى ولذا فهم اعتمدوا زج المدنيين في الحرب كما فعلوا في قانا وغيرها. ولكن هذه لا تعتبر دفاعا عن الوطن أو الناس، بل قد تكون جزء من حرب كبرى لأهداف تتخطى هؤلاء الناس. فإذا كانت هذه هي أهداف حزب الله في هذه الحرب فقد يكون تحقق بعضها، ولكنها لا تعطيه الحق بأن يجاهر بالنصر ولا أن يحتفل به كي لا ينقلب العطف والشفقة تشفيا وكرها. من جهة أخرى يمكنه، ربما، أن يدّعي الصمود كون عدوه لم يقتلعه من أماكنه ولا هو احتل البلاد ونظفها من أتباعه وأوقف زعماءه وقدمهم إلى المحاكم.
ولكن هل هذه كانت أهداف إسرائيل في هذه الحرب؟
أحد الأهداف المعلنة لعملية الرد الإسرائيلي كانت منع تواجد عناصر حزب الله بسلاحهم جنوب الليطاني، وقد تكفلت الدولة اللبنانية بمساعدة العالم بالقيام بذلك، وها هو الجيش ينتشر مع القوات الدولية.
الهدف الثاني المعلن كان وقف الصواريخ ومنع إعادة تجهيز حزب الله بها، وهذا ما تحاول الدولة أيضا القيام به بنشر الجيش على الحدود مع سوريا وتعهد الألمان مراقبة وتفتيش وسائل النقل البحرية.
ولكن الدولة اللبنانية لم تتعهد نزع سلاح حزب الله وهذه جريمة بحق الشعب اللبناني، ولا إسرائيل طلبت ذلك ما سيكون مجالا لتهديد مستقبلي، ولكن نزع هذا السلاح هو مطلب لبناني ومطلب دولي لم تستطع الحكومة أن تتعهد به حتى اليوم، وكنا نتوقع أن تكون المعارضة من يطالب الحكومة به ولكنها للأسف مقيدة "بورقة التفاهم" (أو التين).
يقول البعض أن حزب الله انتصر لأنه لم يتوقف عن إطلاق صواريخه إلا عند توقف إسرائيل عن قصفها، ونحن نقول من طلب منه أن يقصف إسرائيل؟
ومن طلب منه أن يقوم بعملية التعدي عليها؟ وهل كنا بحاجة ماسة إلى هذه الحرب وإلى كل هذا الدمار والخراب؟
وبعد، فقبل 12 تموز لم يكن هناك تواجد إسرائيلي في أي بقعة من لبنان، وكان مطلب حزب الله وذريعته تحرير مزارع شبعا، أما اليوم فنحن على وعد أن يخرج الإسرائيليون من آخر مراكز لهم في لبنان، ما لم يتم بعد، ونأمل أن يقوم مجلس الأمن والقوات الدولية بمراقبة ذلك، ونعتمد على النية الحسنة عند إسرائيل، وتنفيذها للقرارات الدولية وقد كنا بغنى عن كل ذلك منذ أيار 2000 وحتى 12 تموز 2006 فهل هذا أيضا من مؤشرات النصر والتحرير؟
أما إذا كانت سياسة حزب الله واستراتيجيته العسكرية تقومان على تدمير لبنان وأشكال الحضارة فيه؟ فهو بالتأكيد أنتصر. وإذا كان هدف أسياد حزب الله إظهار لبنان بأنه غير قابل للعيش بدون الاحتلال السوري له؟
فهو ربما أعطاهم نقطة في هذا الاتجاه، لأن بعض الدول اعتقد أن الكلام على الحل يجب أن يكون مع سوريا وإيران. وإن كان عدم تمكن إسرائيل من قتل زعيمه، بالرغم من تهديدها بذلك، يعتبر انتصارا، فإنها، قبل تلك الحرب، لم تكن بوارد قتله، ولا نعلم إن هي ستنفذ ذلك فيما بعد أم لا، ولكنه بالتأكيد كان بغنى عن تعريض نفسه لمثل ذلك القرار.
الواقع أن حزب الله قد انتصر بالتخلص من 650 من مقاتليه في هذه الحرب، نعم. وهو تخلص من عبئ الضغط السكاني في الضاحية الجنوبية، أكيد. وقد قلّص سرعة الانتقال بين المدن اللبنانية، لا شك. وربما فتح مجالات عمل للعمال السوريين واللبنانيين لإعادة إعمار ما تهدم.
من جهة أخرى قد تكون حكومة إسرائيل قصّرت بواجباتها في هذه الحرب، ولم تحسم المعركة كما تعودت في السابق. وقد يكون الشعب الإسرائيلي ذاق لأول مرة مرارة القصف، صحيح. ولكن هذا كله لا يعد نصرا لا لحزب الله ولا للبنان، لأن الفاتورة المدفوعة والتي ستضاف إلى ما علينا من ديون وآلام، أكبر من أن تعوض.

سؤال/ يطلب من حسن نصرالله امين عام حزب الله بتوضيح انتمائه ، هل تعتبر ان هذا الطلب في "محله"، ومن اين تنبع الشكوك في "لبنانية حزب الله"
الجواب: ليس هناك من شك في أن السيد حسن نصر الله هو لبناني الهوية وهو ابن الجنوب ويعتبر مسقط رأسه قلب المنطقة المحيطة بصور، وهي منطقة لبنانية منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وتحمل في ترابها بذرة الطموح الفينيقي وحب المغامرة والثقة بالنفس التي تسمح بالانفتاح على الغير والتعاون مع الآخرين، ولكن لكي تكون لبناني الولاء يجب أن تضع لبنان فوق كل اعتبار وتجعله الوطن الذي تفتخر به وتساهم في تقدمه ونهضة شعبه.
ولبنان ليس وطن كسائر الأوطان كونه كان دوما معقل الأحرار الذين لم يقبلوا الخضوع للقوى المسيطرة، ولهذا السبب يقدس الحرية ويعترف بخصوصية كل فئاته التي تعرضت عبر التاريخ، وبدون استثناء، لأنواع من الاضطهاد والقهر، ومن هنا كان تفرّد النظام اللبناني الذي تميّزه "ديمقراطية المجموعات البشرية" وليس الديمقراطية العددية، وتميّزه دقة الانجراف في ولاءات وتحالفات لا تخدم مصلحة الجميع.
فلنتصور مثلا بأن الأرثوذكس، وهم طائفة كبيرة في لبنان، قرروا التحالف مع روسيا واعتبار حاكمها حامي الدين، وبدأوا بالتسلح لتحرير القسطنطينية واستعادة آيا صوفيا مركز الكنيسة العالمي. ومن جهة أخرى تحالفت قيادات المليشيات الكردية المسلحة مع الدولة الكردية الناشئة في شمال العراق وبدأت العمل على تحرير المناطق الكردية في شمال سوريا.
وماذا لو طالب الدروز بإعادة ضم حوران والجولان والمناطق الدرزية في شمال إسرائيل لتشكل دولة الدروز وتعيد عهد الإمارة؟. وماذا عن الأرمن؟ فلماذا لا ينشئون المليشيات ويتحالفون مع الدولة الأرمنية ويبدأون المطالبة بإعادة المناطق الأرمنية التي طردوا منها بالقوة في بداية القرن الماضي في مجزرة شهيرة نفذتها القوات التركية؟ وهل إن المناطق المارونية في شمال سوريا لا تستحق النضال؟...
ذكرنا هذه العينات لكي نقول بأن نشأة حزب الله، التي يحاول البعض أن يجعلها عصارة جهد لبنانية تولدت من المعاناة والقهر فانطلقت لتحرير الأرض، لم تكن كذلك. فحزب الله أنشأه الحرس الثوري الإيراني يوم دارت الحرب بين العراق وإيران وكانت مصلحة سوريا (القومية؟) تقضي بالوقوف بجانب الثورة الإيرانية (التقدمية) ضد النظام البعثي العراقي (الرجعي)، ولكي تأمن من أن اليسار اللبناني (المتنور) والقوى السنية العروبية المسلحة لن تقف مع العرب ضد الفرس فتقاتل الجيش السوري (العميل)، طلبت من الحليف الإيراني إنشاء مدرسة جديدة من "المقاومة" تلفت الأنظار بعمليات انتحارية لا تقوى عليها "القوى الوطنية" (العقلانية) (كون "المقاومة الفلسطينية" كانت قد تعرضت لضربة قاسية على يد إسرائيل)، ومع أن القوميين السوريين حاولوا تقليد هذا الشكل من الانتحار، وتبعهم الشيوعيون في ذلك لكي لا يفقدوا وهج الساحة، إلا أن النظام المخابراتي السوري، والاعتماد على خطب المشايخ والدفع الديني والترغيب بالجنة الموعودة ومكاسبها، كانت أقوى من "وطنية" الشيوعيين والقوميين وغيرهم من المناضلين. ومن ثم قام السوريون بسلسلة الحروب الوقائية (حرب عرفات في طرابلس، حرب المخيمات، حرب العلم...) التي أمنت عدم قدرة الفلسطينيين وحلفائهم من القوى الوطنية على القيام بعمليات مساندة لصدام، وكانت إسرائيل غير منزعجة مما يجري من ضرب ما تبقى من القوى الفلسطينية.
أما الغرب الذي ذهل من قوة ضربات السفارة الأميركية ومركزي المارينز والمظليين الفرنسيين، فقد حمّل ثيابه ورحل ليتفرج على مسلسل القتال في لبنان حيث تتالى الهجوم عليه بعمليات خطف الرهائن التي أفرغت الساحة من كل إمكانية لمعلومات موثوقة لتصبح المصادر المحلية والاقليمية هي المصدر الوحيد لمثل هذه المعلومات ما ساهم في سقوط الجدار الواقي الغربي لتصل الحرب فيما بعد إلى عقر داره.
هذا العرض السريع لنشوء حزب الله هو للتذكير فقط بأن نشأته لم تكن لبنانية الهدف ولا الوسائل وهو لا يزال يخدم مصالح خارجية ونتمنى لو أنه يجري، اليوم، وبعد كل ما تعرّض له لبنان والطائفة الشيعية من مآسي، إعادة نظر في ولاءاته فيقدّم مصلحة الوطن على كل ما عاداها، فلبنان ليس بحاجة لمعاداة إيران ولا سوريا ولكنه لن يقبل أن يصبح منفذا لمآرب هاتين الدولتين أو غيرهما ومصلحته تكمن في الابتعاد عن الصراعات الإقليمية، ومن هنا التشديد على السلام مع إسرائيل لإنهاء هذا الفصل الذي أدخلنا في كل المآسي، ومن ثم عدم الدخول في أي حلف أو محور يؤدي إلى زعزعة الكيان اللبناني القائم على التوازن والحياد.
وما يجب أن نقوم به هو تبني الحياد بحماية دولية ليصبح لبنان فعلا ملجأ لكل مضطهد ومركز تطور وحضارة يغني الشرق والغرب فلا المال العربي المشروط يؤمن التوازن ولا السلاح الإيراني و"المال الحلال" يمكنه أن يؤدي إلى الاستقرار ولا الغلبة لمجموعة أو طائفة أو حزب ممكن أن توصل البلاد إلى شاطئ الأمان.
وبالنهاية وردا على السؤال حول إثبات ولاء حزب الله للبنان، نعم على هذا الحزب أن يثبت ولاءه للبنان وعلى السيد نصر الله أن يقوده نحو بناء الدولة القادرة فيترك السلاح جانبا ويلحق بالركب السياسي الذي يفترض منه أن يمارسه لمصلحة اللبنانيين وبناء صداقات متينة وعلاقات ودية قائمة على الاحترام المتبادل لا على التبعية، وعليه أيضا مباركة التعددية ونشر ثقافتها، فحزب الله اليوم ينعزل ضمن دولته ومؤسساته وهو ينشر ثقافة خاصة به ويبني علاقاته مع الآخرين، في بعضها، على الحقد وهذا لا يدعو إلى الأمل بوحدة وطنية. نحن لا نقول بالتخلي عن خصائص كل طائفة وتقاليدها وحتى تاريخها ونضالها، ولكننا يجب أن نترك مجالا للتعاون فنظهر الجانب الإيجابي من العيش المشترك وإلا فلينفصل كل واحد في منطقته وليترك للآخرين أيضا حق التميز والحماية.
من هنا فحزب الله غير صادق مع نفسه هو يسعى لدولة إسلامية على المثال الإيراني ويفرضها بالقوة حتى على أبناء الطائفة الشيعية الذين لا يرغب بعضهم بالعيش في هذه الأجواء، ومن ثم يتهم كل من يخالفه الرأي بالانعزالية أو العمالة للغير وهما الصفتان اللتان يتميز بهما صراحة.
فإن أراد حزب الله لبنانا جديدا مع طروحاته، فنحن لا نعتقد أن هذا اللبنان سيكون واحدا. فحتى في النظام الفدرالي لا يمكن أن يكون هناك جيش خاص لولاية أو مقاطعة أو حتى كانتون ولا يمكنها أبدا أن تعلن الحرب كما جرى في 12 تموز، فالشأن الخارجي والدفاع يبقيان دوما مع الدولة المركزية.
المطلوب من حزب الله اليوم وليس غدا تحديد أهدافه وما يسعى إليه ليعرف اللبنانيون فعلا هل هو لبناني الولاء أم لا.
انتهت المقابلة